مقالات مختارة



(1)
مقال التفكير 

إدارة التفكير 12/4/1433 هـ بقلم أ.د محمد الصغير 


هل كل واحد منا يحسن التفكير النافع المثمر في كل الأحوال؟
 هل التفكير هو الذكاء؟ وهل هما متلازمان؟ وهل يغني أحدهما عن الآخر؟
 ألسنا نرى في الناس من هو حسن التفكير وإن لم يكن ذا ذكاء بارز؟ ألسنا نرى في الناس من فيه ذكاء ونباهة و دهاء لكنه في كثير من أموره لا يحسن التفكير؟ 
هل يكفي الواحد منا ما لديه من قدرة على التفكير مما اكتسبه في أسرته ومدرسته والمجتمع وظروف الحياة وخبراتها؟ 

التفكير: مجموعة من العمليات الذهنية المتنوعة (الملاحظة والتركيز والمقارنة والربط والتحليل والتركيب ) 

يقوم بها الدماغ لهدف محدد كالوصول إلى معنى أو فكرة أو استنتاج أو اتخاذ قرار. هل التفكير السليم النافع موهبة خص الله بها أشخاصا فلا يستطيع غيرهم إليها سبيلا ؟أم إنها مهارة يمكن تعلمها والتدرب عليها وتطويرها ؟
 هل سرعة التفكير والقدرة على التوصل إلى استنتاج عاجل دليل على قوة التفكير وصحة نتائجه؟

 مما أظهرته أبحاث علمية حديثة في مجال التفكير والنضج العقلي أن التفكير مهارة شأنها شأن غيرها من المهارات من حيث إمكان التدرب عليها وتنميتها ورفع قدرة الشخص على التمكن منها, وكلما كان ذلك في عمر أبكر صارت أقوى وأرسخ وكان تعلمها أيسر وفي وقت أقصر ولذا فان كثيرا من الدول المتقدمة(في العلوم الدنيوية) اتجهت نحو الاهتمام بالتفكير وبادرت بإدخال تعليم مهاراته ضمن مناهجها التعليمية لجميع المراحل الدراسية من الابتدائية إلى الجامعية . 

يرى عدد من رواد تعليم مهارات التفكير أن الشخص الذي لا يرغب في تطوير مهاراته في التفكير ويستغني بما اعتاد عليه في أساليب تفكيره مثله كمثل من يطبع بأصبعين فقط على لوحة المفاتيح ويستغني بذلك عن تعلم المهارة الصحيحة للطباعة على لوحة المفاتيح (باستخدام الأصابع العشرة) فيعوقه ما اعتاد عليه عما ينبغي أن يصل إليه وأن يتمكن فيه في أمر الطباعة فيحرم نفسه من تحسين أدائه ورفع مستوى إنجازه كما وكيفا ولا يجد في نفسه حاجة إلى تعلم المزيد ويرى أنه يحسن صنعا. 

أهم العوامل المؤثرة في جودة التفكير:

 1- مستوى القدرات العقلية: كالانتباه والتركيز والإدراك والفهم والحفظ والمقارنة, فجودتها تعين في تحسين جودة التفكير لكنها لا تغني عن تعلم مهارات التفكير.
 2- مستوى تقدير المرء لذاته: (ولا سيما لمدى كفاءته العقلية وثقته بفهمه وإدراكه).
 3- طباع الشخصية:وما فيها من قيم جوهرية تكوّن الهوية ويرجع إليها الذهن في تصوراته وأحكامه.
 4- قناعات الشخص: بأبعادها الرئيسة الكبرى (قناعاته عن نفسه وحقيقة ذاته وإيجابياته وسلبياته وعن الحياة وظروفها والغاية منها وعن الناس -طباعهم وتصرفاتهم- وعن الغيب والإيمان به-عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وعن اليوم الآخر والقدر والملائكة والكتب والرسل. 
 5- الحالة المزاجية الراهنة وقت التفكير:فالسرور يوقظ التفاؤل والحزن ينشر التشاؤم والقلق يجنح بالذهن إلى الحذر والغيرة تلهب هوى النفس وتعمي البصيرة وتجنح بالنفس إلى الإجحاف وترك الإنصاف, والغضب يأتي بالأوهام والعجلة في الأحكام وظن السوء.
 6- أساليب وأنماط التفكير التي تعود عليها من حيث الفهم والاستنتاج والحكم على الأمور والمواقف والأشخاص (سواء بسبب تربية الأسرة أم المدرسة أم غير ذلك ).

 7- مقدار المعلومات المتوافرة والغائبة حول ما يتم التفكير فيه كما وكيفا ودقة. إن لتفكيرنا أثرا مهما في مشاعرنا وإدراكنا وتصرفاتنا ,أدركنا هذا الأثر أم لم ندركه,وقد يكون هذا الأثر إيجابيا أو سلبيا حسب اختلاف نوعية الأفكار ومحتواها وأساليب التفكير والقناعات المسبقة ودرجة الاقتناع بها وحسب طباع الشخصية وصفاتها والموقف والظروف المحيطة. 

كم من استنتاج غير سليم وفكرة غير مصيبة نتج عنهما إما مشاعر سلبية ( كالقلق أو الخوف أو الغضب أو الخجل أو غير ذلك ) أو تصرفات غير مقبولة ( كالعدوان أوالانسحاب أو الغيبة أو غير ذلك ) أو خلل في الفهم لأمر مهم أو اختلاف في الآراء أو شقاق بين الأشخاص أو غير ذلك أو كل ذلك أو بعضه. هل نكتفي بما اعتدنا عليه من أنماط التفكير ؟ أم نطور تفكيرنا وكيف لنا ذلك؟ من أراد أن يكتفي بما اعتاد عليه في أساليب تفكيره فلن يعدم المبررات لذلك ولن يجد من يلومه على ما ارتضاه لنفسه، ومن أراد أن يطور تفكيره وسعى لذلك سعيه فسيجد بإذن الله من يرشده وما يعينه عبر المراجع والإصدارات والدورات العلمية ونحوها. 

أساسيات في تطوير التفكير:

1- حسن النية ونبل المقصد في الغاية من الأمر الذي يجري التفكير فيه, وقد غفل عن هذا الأمر المهم - أو تغافل- كثير من المهتمين بالتفكير وتطويره ولاسيما عند من يهمل البعد الأخروي ومتعلقاته الإيمانية ( كمراقبة الله وابتغاء مرضاته وخشية سخطه ).
 2- الجمع بين الشمول والتفصيلات وظواهر الأمور وبواطنها وبداياتها ونهاياتها وعواقبها وآثارها بتوازن وحكمة حسب مقتضى الحال ومتطلبات الموقف.
3- التمييز بين الحقائق (وما تتطلبه من براهين ) وبين الآراء الشخصية و التوقعات والأمنيات والقناعات الاجتماعية و الإيحاءات ونحوها.
4- إدراك أثر المشاعر والقيم والقناعات المسبقة والاعتداد بالذات ونحو ذلك على التفكير ونتائجه.
5- الأناة والحذر من بادئ الرأي والعجلة في الأحكام والتصرفات, مع التوازن في التوقيت بين العجلة والتأخير( وما قد يترتب عليه من تفويت)
6- معرفة الأولويات وترتيبها حسب أهميتها وتحديد ما لا يمكن التنازل عنه وما يمكن التغاضي عنه أو تأجيله

 7- النظر في البدائل والخيارات والاحتمالات والمقارنة بينها بحكمة وإنصاف.
 8- معرفة العلاقة بين الأسباب والنتائج , أيها سبب و أيها نتيجة وما هو سبب (أو شرط أو علة) وما ليس كذلك.
 9- الانفتاح على الآراء الأخرى مع الإنصاف والحذر من اتباع هوى النفس, و الحرص على التجرد في طلب الحق وقبوله أيا كان مصدره.
 10- مراجعة الذات وإعادة النظر في الاستنتاجات والقرارات والمواقف والعلاقات.
11- الحذر من أخطاء التفكير ولاسيما الخفية الشائعة. 








 (2)
مقال التفكير الابداعي
الشخصية ... والتفكير الإبداعي 15/9/1429 هـ الأخصائي النفسي/رضا أحمد السيد موسى 

يعتبر التفكير الإبداعي من أهم سمات الشخصية الذي يجعلها مميزة عن غيرها، ومن أهم القدرات الإبداعية:
 1- الإحساس بالمشكلات.
 2- الأصالة. 
3- الطلاقة.
 4- المرونة.
 5- الدقة.
 أولاً: الإحساس بالمشكلات:
 وتظهره هذه القدرة في الميل إلى إدراك الصعوبات والثغرات في المعرفة وعدم التجانس في المواقف والبحث عن حلول مناسبة لها، وهي من أهم سمات المبدعين عن الأشخاص العاديين فهم أكثر تحديداً للمشكلة بدقة ويضعون حلولاً مناسبة ويعملون على تحسين الظروف المحيطة بهم. 

ثانياً: الأصالة:
 تظهر في القدرة على إنتاج أفكار جديدة وفريدة أو غريبة، ومع هذا فهي أفكار معقولة، وتعتبر الأصالة من أبرز القدرات الإبداعية التي يتفق عليها علماء النفس على أهميتها للنبوغ في جميع المجالات، واستخدموا
في قياسها مقاييس لفظية وغير لفظية لاكتشاف القدرة الذهنية على علاج المشكلات والمواقف بأسلوب غير مألوف، والوصول إلى أفكار أصلية ونادرة. 

ثالثاً: الطلاقة: 
ويقصد بها إنتاج عدد كبير من الأفكار المبتكرة في فترة زمنية محددة، هذا وقد اختلف الباحثون حول أهميتها في الإبداع حيث يرى البعض أنها عامل أساسي بينما يرى آخرون أنها عامل ثانوي، وهناك ثلاثة أنواع من الطلاقة وهي: 1- الطلاقة اللفظية: تظهر في القدرة على استحضار ألفاظ كثيرة، تتوفر فيها الدقة والترابط والتسلسل كما أنها تظهر لدى الأدباء والشعراء ورجال الدين. 2- الطلاقة الفكرية: تظهر في القدرة على تكوين عدد كبير من الأفكار في زمن محدد. 3- الطلاقة التداعي: وتظهر في القدرة على إنتاج عدد كبير من الأفكار التي تتوفر فيها خصائص معينة من حيث المعنى، كالتلازم أو أداء المعنى إلى معنى آخر.

رابعاً: المرونة: 

تظهر في القدرة على تغيير الاتجاهات الذهنية بسهولة، فيكون الشخص قادراً على تغيير مجرى أفكاره وجهات جديدة وسريعة وفق متطلبات الموقف، وعكس المرونة الجمود في التفكير الذي يعني التفكير النمطي، الذي يقوم على إبقاء (الأنظمة العقلية وما فيها من معارف) على وضعها السابق دون تغيير أو تجديد، وهذا يعني أن المرونة في التفكير عامل أساسي في الإبداع. وترتبط المرونة في التفكير بالخصائص المزاجية للشخص، وبنمو شخصيته وتكاملها ونضجها الانفعالي. خامساً: الدقة:
تظهر في القدرة على استخلاص مضامين الأفكار، واستكمال التفاصيل الدقيقة في الموضوع، وتقاس بعدد التفاصيل والأفكار التي تضاف إلى الفكرة الأصلية، فالدقة تتضمن عمق الفكرة، والتوسع في العناصر المتصلة بها والأعداد الجيدة للموضوع وترتيب خطوات تنفيذه بعناية ووضع اللمسات الأخيرة فيه.


• مراحل التفكير الإبداعي: يمر التفكير الإبداعي بأربع مراحل أساسية هي:
 1- الإعداد: ويعني توجيه نشاطات الفرد الفكرية نحول حل المشكلة التي يدركها ويحس بأهميتها، ويجمع المعلومات حولها، ويحددها تحديداً دقيقاً، ويمعن تفكيره الاستدلالي والخيالي في البحث عن الحلول الممكنة.
 2- الاختمار: في هذه المرحلة يراجع الفرد تحديد المشكلة وينسق معلومات حولها وينشغل بها إلى الحد الذي يجعله مستغرقاً فيها بكل حواسه وأفكاره.
 3- الإشراق: بعد أن تتضح معالم المشكلة يحدث الاستبصار، ويصل الفرد إلى لحظة الإبداع التي يشرق الحل فيها فجأة في ذهن الفرد وكأنه من إلهام.
 4- التحقيق: وهي المرحلة التي تلي الإشراق، وهي المرحلة القابلة للتنفيذ وقد يتم في هذه المرحلة الحل أو تعديله لكي يتلائم مع الموقف الخارجي. 

• فكّر بطريقة المبدعين:    
1- حدد مشكلتك أولاً وماذا تريد! وما هي العوائق؟ وكيف أصل للحل!
 2- عندما لا تصل إلى حل للمشكلة اترك التفكير فيها فترة زمنية ليرتاح ذهنك من عناء التفكير، مما يساعدك
على تخيل آفاق جديدة.
 3- الثقة في الذات وقدرتها على الاختيار بين البدائل.
 4- الاستماع إلى آراء الآخرين والعمل بما تراه مناسباً لك
.5- التفكير الإبداعي لا يقتصر على العلماء والمفكرين والأدباء، بل أنت حقاً مبدع وردد ذلك مع نفسك.
 6- الإطلاع والمعرفة يوسع الإدراك ويجعلك أكثر مرونة ودقة.
 7- الربط بين أجزاء المشكلة ومعرفة الإيجابيات والسلبيات.
 8- عدم الانفعال أو الغضب لأن ذلك يسبب سوء الاختيار.
 9- لا تعطي نفسك أهداف أكبر من قدراتها ولا أقل من قدراتك.
10- الإيمان بأن ليست جميع القرارات تكون دائماً صائبة.





(3)
أهمية تعليم التفكير
Beyer,(1987).National Center for Thinking
 

إن مهارات التفكير حاجة مُلحّة خاصة في وقتنا الحالي، ونظراً لأهمية مهارات التفكير فقد تم استخدام مصطلح تعليم التفكير كمُرادف لمصطلح السلوك الذكي، كما أن تطوير مهارات التفكير يقابلها كيف يصبح الأفراد أكثر ذكاء. ومن هنا فإن الأفراد يحتاجون لتعلم مهارات التفكير كأدوات ضرورية تساعدهم على التعامل والعيش في عالم سريع التغير، ومتزايد في تعقيده، وتظهر أهمية تعليم التفكير في المجالات التالية:
أولاً: أهمية تعليم التفكير للطلبة:
إنّ حرمان الطلبة من فرص للتدريب على مهارات التفكير يؤدي إلى عدم تحقيق وتطوّر هذه المهارات إلى أقصى مدى، فالتفكير الفعّال لا يكون نتيجة غير مقصودة للخبرة أو ناتجاً آلياً لدراسة موضوع ما، إنما يتطلب تعليماً وتوجيهاً مقصوداً ومستمراً وممارسة.
يساهم تعليم التفكير في استمرار بقاء الطالب في المدرسة، إذ يتعرض هؤلاء الطلبة وباستمرار لمواقف داخل المدرسة تتطلب منهم استخدام مهارات التفكير وتنظيم تفكيرهم حول موضوع ما من مواضيع المنهج المدرسي.
يزوَّد تعليم التفكير الطلبة بتحكم واعٍ لأفكارهم مما يجعلهم أكثر ثقة بأنفسهم، وهذا بدوره يطوّر من إنجازهم داخل وخارج المدرسة.
يسهم تعليم التفكير في تحقيق أهداف الطالب الحياتية وتحسين تواصله الاجتماعي مع الآخرين وإتمام المهمّات المطلوبة منه في المجتمع.
ثانياً: أهمية تعليم التفكير للمعلمين والنظام المدرسي:
يساعد تعليم التفكير على تحقيق أهداف تعليم المادة التعليمية وأهداف المناهج التي تلتزم المدارس بتحقيقها.
إن فهم المعلمين لمهارات التفكير التي يدرسونها، يؤدي لزيادة الفاعلية الشخصية عند المعلمين أنفسهم.
يسهم تعليم التفكير في الحفاظ على ديمومة النظام التعليمي في المدرسة من خلال مساعدة الطلاب على تحقيق الأهداف الأكاديمية المطلوبة.
يسمح تعليم التفكير بانخراط الصف بنشاطات غير روتينية، ولا يُركّز على الحفظ، ويسهم في تحفيز الطلبة وجذب انتباههم في غرفة الصف.
تمنح الطلاب مجال للتلاعب بالأفكار، والبحث عن المعرفة، مما يجعل من عملية التدريس عملية تحفيز عقلي متبادل.
ثالثاً: أهمية تعليم التفكير للمجتمعات:
يسهم تعليم التفكير في بقاء واستمرار المجتمعات، من خلال تزويد الأفراد بأدوات تمكنهم من التفاعل بشكل بنّاء مع المعلومات والظروف المحتمل حدوثها مستقبلاً، وحلّ المشكلات التي تواجههم بطرق إبداعية، بالإضافة إلى رفع مستوى الإنتاجية في المجتمعات وتطوير مجالات التقنية التي تخدم مقوّمات الحياة الأساسية للشعوب وتستمر بأدائها نحو رفاه البشرية.





أقفال التفكير
 د.سلمان بن فهد العودة 29/1/1428 17/02/2007


 أرى التفكير أدركه خمول
 ولم تعد العزائم في اشتعال

 وأصبح وعظكم من غير سحر
 ولا نور يطل من المقال

 وعند الناس فلسفة وعلم
 ولكن أين تفكير الغزالي

 وجلجلة الأذان بكل صوت 
 ولكن أين صوت من بلال 

 مآذنكم علت في كل حي 
 ومسجدكم من العباد خالي 

هكذا قال الشاعر الإسلامي الكبير: محمد إقبال رحمه الله.
 لقد وقفت أقفال التفكير لتحول دون تصحيح المفاهيم، وصنعت أكبر عائق عن تفهم كتاب الله وشرعه، وعن إدراك الواقع والمشاركة فيه، وعن التقدم العلمي والتكنولوجي والحضاري. 

ومن أشرس أقفال التفكير: التقليد، ولقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أن المقلد لا يعد من جملة العلماء، هذا في التقليد الفقهي، أما التقليد العام في التفكير والدين والعمل فقد كان أداة رئيسة لصد المشركين عن دين الله عز وجل، يقول الله سبحانه وتعالى: "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا"، فيقول الله رادا عليهم: "أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون". 

 فتقليد الناس وتقليد الآباء والأجداد يعني الانقياد للآخرين بدون وعي ولا رشد، ومعناه وقف عملية التفكير تماماً كما يقول العربي الأول دريد بن الصمة: 

 أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
 فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

 وهل أنا إلا من غزية إن غوت 
 غويت وإن ترشد غزيت أرشد 

 فيصبح التقليد واتباع الناس عملاً حيوانياً يصد عن سبيل الله وعن سبيل الإصلاح والعمل والنهضة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا)، وفي المثل العامي البئيس: "الموت مع القوم رحمة!".

 ومن أقفال التفكير: سلطة المجتمع وضغطه، والأنا الجماعية التي تجرف الإنسان وتمنعه من التفكير السليم، ولذلك أمر الله المشركين ووعظهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يتخلصوا من هذه السلطة الضاغطة؛ ليفكروا في صدق رسالته، يقول تعالى: "قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة"، فهم مثنى وفرادى أقرب إلى الصدق مع الذات، وأكثر تجردا من المساحيق والأصباغ التي يتجملون بها عند قومهم، فتمنعهم من رؤية الناس والأشياء والحق كما هي لتصنع الحجاب والران الذي تحدث الله عز وجل عنه في القرآن الكريم، يقول الله جل وعلا: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"، "ومن بيننا وبينك حجاب"، فهذه المراكز الاجتماعية تمنع من الانقياد للحق والمصداقية في العمل، فتجاوزها وترك اعتبارها شرط رئيس للتفكير السليم الذي يبحث عن الحقيقة دون مواربة أو خجل أو خوف من المجتمع أو الناس، وكان بعض علماء التفكير الغربيين يقول: إن المجتمع قد يصبح صنماً شرساً يحجب عن التفكير والعقل. 

ومن أقفال التفكير: الخرافة، فقد أكد أحد الباحثين أن قوة التدين وشدته تكون متصلة ومرتبطة بضعف التفكير، والمقصود بالتدين عموم التدين، حتى التدين البدعي باختراع سلوكيات دينية لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جعل الله عز وجل هذا النوع من زيادة التكاليف والبدع نظيراً للتكذيب بآيات الله، وشريكاً له في الصد عن سبيل الله فقال سبحانه: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته"، فهذه الخرافة تحجب العقل عن التفكير العقلاني المنطقي، وتربطه بالروحانيات والسحر والشعوذة، وتعلق الإنسان بالخوارق، على حين أن الدين الإسلامي يعلق الناس بالسنن الربانية الجارية التي وضعها الله نواميس للكون وعلامات للناس.

 والتفكير هو عبارة عن مجموعة من العمليات الذهنية المترابطة واستخدام العقل، فإذا جاءت الخرافة أوقفت كل ذلك؛ لتختصر المشوار العقلي السليم بنتائج جاهزة للأشياء، مثل الساحر الذي يدعي علم الغيب وبواطن الأشياء بطريقة لا مدركة، فهو يختصر على بعض السذج والأغبياء بهذا الأسلوب الخرافي عمليات التفكير السليمة التي هي أصح عملية يمارسها الإنسان وأخص خصائصه يقول الله جل وتعالى: "لهم قلوب لا يعقلون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها إنهم إلا كالأنعام بل هم أضل".

 ومن أقفال التكفير: القطعية والحدية وغياب المنطقة الرمادية للأشياء والحلول الوسط، فيتعود العقل على أن يأخذ كل شيء أو لا يأخذ شيئاً، يحب جميعاً ويكره جميعاً حتى في العلاقات العاطفية، وفي المأثور عن علي رضي الله عنه: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماًَ ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما. 

فالقطْعِيِّة تبعث نفس الوثوق بالكلام وعدم القابلية للمراجعة أو التصحيح أو التفاهم والحوار، فهو حينما يستعمل القطعية تجده يتلو كلامه بدل أن يقوله ويحاور فيه، ومن أدق ما نقل لنا التاريخ الإسلامي كلمة جميلة شهيرة للإمام الشافعي تصلح أن تكون قاعدة تفكيرية، هي قوله: كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب.

 فهو يقول بأن كلامه صواب؛ لأنه نتيجة بحث وتفكير طويل وعناء وجهد، وهو يضع الاحتمال لفتح مجال المعاودة في الرأي، والمحاورة فيه، وإعادة النظر والنقد والتقويم والمراجعة منه ومن غيره. 

ومن أقفال التفكير: الانفعال، فالتفكير الانفعالي سواء كان ردة فعل غير متزنة تجاه حدث، أو كان نتيجة عوامل انفعالية في نفس الإنسان، كالغضب والكره وغيره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان)، والغضب صورة من صور الانفعال الذي يغلق التفكير؛ ولذلك قاس العلماء عليه الحاقن والجائع ونحوه، فتلك العوارض الانفعالية تحجب عن التفكير السليم، وتغلق على العقل مواطن التفكير، ولذلك سُمي إغلاقاً كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق). 


وأخيراً: فهذه أقفال التفكير التي ينبغي أن يكون المسلم أبعد الناس عنها بعد أن تحدث عنها القرآن بكل صراحة ووضوح ذاماً ومحذراً منها، "أم على قلوب أقفالها"، نعوذ بالله من أقفال التفكير

. salman@islamtoday.net د.سلمان بن فهد العودة 27/1/1428

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق